في الذكري الثالثة والسبعين لثورة يوليو: هكذا تغيرت الحياة علي أرض مصر

استطاعت ثورة 23يوليوعام 1952 أن تغير وجه الحياة علي أرض مصر وأن تحدث تحولا جذريا في حياة الشعب بما حققته من إنجازات ضخمة، كما أحدثت تحولًا عميقًا في تاريخ مصر المعاصر أنهى مرحلة.. ومهد الطريق أمام مرحلة جديدة دعمت قدرة الوطن، على مواصلة مسيرة البناء والتقدم.
وهي الثورة التي لم يقتصر تأثيرها على الداخل المصر، بل امتدت آثارها إلى جميع الشعوب من حولنا التي كانت تتطلع إلى الحرية والاستقلال فعلي ايديها شهد العالم انحسار موجة الاستعمار لتبدأ مرحلة ميلاد نظام عالمي جديد بين قطبين الولايات المتحدة الآمريكية في الغربوالاتحاد السوفيتي في الشرق، فان لابد منتكوين تكتلات دولية لدول العالم الثالث.
حتي تتمكن من السيطرة على مقدراتها وثرواتها الطبيعية وتتجه إلى تنمية كوادرها البشرية بما يتناسب مع التحديات المتزايدة والمتجددة..وفي هذا اليوم لابد أن نذكر الرئيس جمال عبد الناصر اول رئيس منتخب الذي حمل راية الثورة وتمسك بمبادئها وثوابتها في تحقيق استقلال الوطن والعدالة الاجتماعية لجموع المصريين.
ومن بعده جاءالرئيس محمد أنور السادات الذي ساهم في تجديد شباب الثورة..ونجح في استعادة الأرض وغسل عار هزيمة 67 ، وقبلهم كان الرئيس محمد نجيب الذي جاهد مع الكثير من الرجال العظام من اجل فتح باب الحرية والأمل للشعب المصري.
وقال الدكتور محمد عبد الوهاب استاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس ان الثورة احدثت تحولا جذريا في النظام الاجتماعي المصري نتج عن حدوث تقارب واضح بين طبقات الشعب بعد ان عاش قرن ونصف منذ تولت اسرة محمد علي الحكم مجرد أجير في اراضي الاقطاعيين الذين عاملوهم علي انهم عبيد.
أوضح لـ الزمان” أن الثورة اصدرت بعد نجاحها باقل من خمسين يوما قانون الاصلاح الزراعي الذي اتاح لأول مرة لعدد ضخم من المزارعين امتلاك خمسة أفدنة، كما قصرت ملكية الأرض لكبار الملاك علي 200 فدان لا غير للفرد و300 للآسرة.
اضاف استاذ التاريخ ان هذه الحركة جاءات اساسا لمنع انتشار الفكر الشيوعي الذي ينتشر عادة عندما تسيطر فئة محدودة علي كافة موارد الدولة، فجاءت الثورة لتحدث نوعا من التقارب بين طبقات المجتمع فانتقلت ملايين الأسر من الفئة المعدمة الي الفئة المتوسطة الدنيا ثم المتوسطة العليا.
اكد المحلل التاريخي ان الثورة اتاحت مجانية التعليم لكافة فئات المجتمع دون استثناء، مما ساهم بقوة في تعليم الطبقات الفقيرة التي خرج من بيها كثير من كبار مسؤولي الدولة والوزراء ورجال الاعمال.. واصحاب الشركات ولولاها لظل الشعب يعاني من التخلف والشقاء الاجتماعي.
وحول ما نسب للثورة من مسؤوليتها عن الحروب التي دخلتها دون مبرر أوضح الدكتور محمد أن اسرائيل هي التي اعتدت علي معسكر مصري بالقرب من محطة السكة الحديد في مدينة غزة وقُتلت سبعة عشر جنديًا أثناء نومهم، بحجة قيام مسلحين فلسطينيين بقتل إسرائيليًا في رحوفوت.
اضاف الخبير الاستراتيجي ان الهجوم كان كمينًا للمصريين حيث سارعت قوة مصرية لمساعدة جنود المعسكر، مما أدى إلى المزيد من الخسائر العسكرية المصرية..وانتهت المواجها بمقتل ثمانية وثلاثين وإصابة ثلاثة وثلاثين.
اكد المحلل الاستراتيجي نفور إسرائيل من السلام بعد تعيينها ديفيد بن غوريون وزير للدفاع يوم 21 فبراير 1955، عقب استقالة بنحاس لافون الذي بدأ ادارته المتشددة بغارة مدمرة على قطاع غزة، كانت الأعنف منذ توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل.
أوضح الدكتور محمد أن استقالة لافون جاءت عقب فضيحة تورطه في شبكة تكوين شبكة تجسس داخل مصر، وأمرها بتنفيذ عدة عمليات ضد أهداف مصرية وبريطانية وأمريكية مختارة؛ بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار لدفع الحكومة البريطانية على إبقاء قواتها في منطقة قناة السويس.ومع ذلك.
اضاف المحلل التاريخي ان مصر تعرضت لمؤامرة مباشرة من بعض الانظمة العربية التي رأت في نجاح الثورة خطرا علي استقرارها السياسي، وتعاونت بكل اسف مع القوي الكبري لافشال حلم الوحدة العربية وانهيار الوحدة بين مصر وسوريا بعض استمرارها قرابة اربعة سنوات كانت نموذجا يمكن البناء عليه لتكوين وحدة عربية شاملة.
اكد الدكتور محمد ان الجغرافيا هي التي تصنع السياسة وان مرور قناة السويس داخل الأراضي المصرية مثل خطرا علي امنها القومي منذ افتتاحها عام 1869، كما ان وقوعوها في ملتقي قارات العالم القديم جعلها محور الحركة التجارية العالمية بل والسياسية.
في سياق متصل اكد الدكتور اسماعيل صبري مقلد استاذ العلوم السياسية بجامعة اسيوط ان المنطقة العربية ظلت وستظل محاطة بكوارث من كل جانب، وأن ما يحدث بالمنطقة اليوم هو تكرار لما حدث بالامس .. وهو يقف علي حافة الانزلاق الي هوة سحيقة تتهدده بمستقبل مظلم اذا لم يسارع الي وضع الحواجز والسدود في طريق الطوفان الذي يجتاحه، ليس بالتصريحات المعادة والمكررة التي سئمتها الجماهير العربية من كثرة ما سمعتها من قادتها وزعمائها دون ان يكون لما تسمعه منهم اي صدي او انعكاس ايجابي واضح علي ارض الواقع.. وبعد ان اصبح من الواضح ان هذه الدول فقدت سيطرتها علي ما يحدث فيها، حتي بات مصيرها بيد غيرها وليس بيدها...
اضاف ان التاريخ يعيد نفسه فاكثر ما يصدم في كل ما يحدث ، هو انه بدلا من ان تكون تلك الكوارث المتلاحقة مبررا قويا يدفع دول المنطقة الي التقارب والتجمع ونبذ الفرقة والخلاف بينها لمواجهة تلك الاخطار المشتركة التي تستهدفها كلها ، نجد ان بعض تلك الدول متواطئ مع الكثير مما يجري تنفيذه مما لا تخفي عليها اهدافه ودوافعه، وذلك من منطلق تصديق قادتها لما يجري بذله لهم من وعود امريكية وهمية بالحماية الامنية لهم ولاسرهم الحاكمة.
، وان تنفيذ ضمانات الحماية يبقي مرهونا بمدي رضاء اسرائيل عنهم ومن انهم لم يعودوا يشكلون مصدر تهديد لها او خطر علي امنها ، علي غرار ما حدث منذ فترة مع بعض دول الخليج العربية تحت مظلة ما يسمي بالسلام الابراهيمي، ويحدث الآن مع سوريا في ظل نظام حكمها الجديد لضمها الي قافلة المطبعين الابراهيمييين من خليجيين وغيرهم.
. فطبيعة العلاقة مع اسرائيل تظل هي خط الاساس في تشكيل مواقف الادارات الامريكية المتعاقبة من ديموقراطيين وجمهوريين من كل دول الشرق اولأسطية ان برضائها عنها او بغضبها عليها واستيائها منها..وهو المعيار الذي تطبقه ادارة ترامب بشكل صريح ومعلن وبلا ادني مواربة، فاسرائيل هي خط الدفاع الامامي المتقدم عن امريكا في الشرق الاوسط وهي وكيلها المعتمد رسميا منها لهذه المهمة الامنية والدفاعية الاساسية بموجب اتفاق التحالف الامني الاستراتيجي الذي وقعه الرئيس الامريكي السابق جو بايدن مع حكومة يائير لابيد منذ نحو ثلاثة اعوام وشكل نقطة تحول خطيرة في مسار العلاقات الامنية الاسرائيلية الامريكية ولانها ولاول مرة اخذت شكل التحالف المكتوب بين الدولتين وعلي مرأي ومسمع من العالم كله ليكون شاهدا عليه ، وهو ما كانا حريصين دائما علي تجنبه لحساسياته ومخاطره السياسية غير المرغوب فيها، ولانهما لم يكونا في حاجة اليه ولان ما بينهما في الواقع كان اقوي من كل التحالفات المكتوبة، وهو ما انفردا به دون سائر دول العالم. ولانه في غياب نصوص مكتوبة، فقد فتح آفاق التعاون الامني بينهما دون سقف اعلي لا يتجاوزه، وبلا حدود يقف عندها، الي ان جاء بايدن وترجم هذه العلاقة التحالفية الي وثيقة رسمية مكتوبة ومقننة وملزمة بطبيعة الحال. . .. وفي هذا التلازم الي حد التطابق بين الدورين الامريكي والاسرائيلي في الشرق الاوسط التفسير الحقيقي والواقعي لكل ما يحدث في هذه المنطقة من العالم الآن...
من هنا، يجب الا يداخلنا ادني شك في ان كل ما فعله ويفعله الرؤساء الامريكيون ينبع من خوفهم علي امن اسرائيل وسلامة شعبها، وان الامتناع عن مساعدة اسرائيل هو تعبير مرفوض عن الشعور بالعداء للسامية،. وهو كذلك علي اقتناع تام بان مصلحة امريكا العليا هي في ان تبيقي اسرائيل دائما متفوقة عسكريا علي جيرانها مجتمعين وان يبقي ميزان القوة في صالحها باستمرار.. ولان اسرائيل هي الضمان الموثوق فيه لدعم كل ما تنفذه وسوف تنفذه امريكا من خطط واستراتيجيات في الشرق الاوسط علي كل المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة..
هذا هو الواقع الذي لا اعتقد انه سوف يتغير باي صورة جذرية في المستقبل المنظور.. وهو وتقع سيئ وتبدو مؤشراته مقلقة او بالأحري مخيفة الي اقصي حد، رغم ان لا احد من قادة هذه الدول ياخذه علي محمل الجد، وانما يتعاملون معه كمرحلة عابرة سوف تنتهي ان عاجلا او آجلا.. وان الزمن وحده كفيل بان يوفر الحل المنشود لكل تلك الازمات.. وواضح ان هذا الاستسلام للواقع لا يمكن ان يكون منهجا ايجابيا لادارة الازمات الدولية ، وانما هو هروب من الميدان بالقاء المسئولية عن حلها علي عاتق الآخرين.... وهو ما لن يحدث.