أزمة العقارات الآيلة للسقوط تطفو على السطح من جديد

تعتبر أزمة العقارات الآيلة للسقوط فى مدينة الإسكندرية واحدة من أقدم وأخطر الملفات العمرانية والاجتماعية فى مصر. هذه الأزمة المزمنة، المتجذرة فى عقود من الإهمال والتوسع العشوائى وضعف الرقابة والتراخى فى التنفيذ، تحولت إلى قنبلة موقوتة تهدد أرواح آلاف المواطنين يومياً.
تصريحات رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى الأخيرة، أعادت هذا الملف الملتهب إلى صدارة المشهد، مؤكدةً على خطورته وإلحاح حله قبل فوات الأوان.
شهدت الإسكندرية طفرة سكانية وعمرانية هائلة بعد ثورة 1952، مع هجرة ريفية واسعة.
تم تشييد آلاف المبانى بسرعة لاستيعاب هذه الزيادة، غالباً بمواد رديئة وتصميمات غير آمنة وبدون دراسات جيوتقنية كافية للتربة الرملية المتحركة للمدينة كما أن قانون الإيجار القديم (رقم 49 لسنة 1977) له رغم أهدافه الاجتماعية، أثر كارثى على صيانة العقارات. جعلت الإيجارات الثابتة المنخفضة جداً الصيانة الدورية مستحيلة مالياً على الملاك، مما أدى إلى تدهور متسارع فى حالة المبانى، خاصة فى المناطق القديمة مثل محطة الرمل، العطارين، بحرى، الجمرك، والمنشية.
أيضا ضعف الرقابة والفساد الإدارى حيث فشلت أجهزة المحافظة والهيئة الهندسية فى تطبيق معايير البناء والسلامة بشكل صارم. سمح التراخى، وأحياناً الفساد، بإضافة طوابق غير مرخصة (العلويات) وإجراء تعديلات إنشائية خطيرة، مما زاد الأحمال على هياكل لم تصمم أصلاً لتحملها مع غياب التخطيط العمرانى المتكامل مع التوسع العشوائى وعدم وجود خطة شاملة لتطوير المناطق العشوائية والمتهالكة أدى إلى تراكم المشكلة دون حلول جذرية. تحولت مناطق كاملة إلى بؤر للخطر وأيضا التآكل الطبيعى وعوامل البيئة وموقع الإسكندرية الساحلى يعرض مبانيها لرطوبة عالية وملوحة تؤثر بشدة على الخرسانة والحديد، مما يسرع من عملية التآكل وضعف الإنشاءات. تشير تقديرات جهاز التعبئة العامة والإحصاء وهيئات المحافظة إلى وجود ما بين 8.000 إلى 12.000 مبنى مصنفة كعقارات آيلة للسقوط أو خطرة فى محافظة الإسكندرية وحدها. أعداد غير قليلة منها فى حالة حرجة تتطلب التدخل الفورى وشهدت الإسكندرية على مدار السنوات الماضية عشرات الحوادث المؤلمة لانهيار عقارات كاملة أو أجزاء منها (شرفات، أسقف، حوائط)، أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء ومئات المصابين وتشريد أسر كاملة. كل حادث هو جرس إنذار صارخ يتجاهله القدر حتى يقرع مرة أخرى.
خلال زيارته الأخيرة لمحافظة الإسكندرية، أطلق الدكتور مصطفى مدبولى تصريحات قوية وحاسمة بخصوص ملف العقارات الخطرة بالتأكيد على خطورة الموقف ووصف الموقف بأنه «بالغ الخطورة» واعترف بوجود أعداد كبيرة من العقارات التى تشكل تهديداً مباشراً للحياة وإعطاء الأولوية القصوى للسلامة.
رداً على تصريحات رئيس الوزراء، تساءل النائب محمود عصام عضو مجلس النواب عن الآلية العملية لتوفير السكن البديل «اللائق» أو التعويض «العادل» بشكل فورى، مشيراً إلى أن وعوداً مماثلة قدمت فى السابق ولم تنفذ بشكل مرضٍ أو شمولى كما تسائل أين ستوفر المحافظة آلاف الوحدات السكنية البديلة فى مدينة تعانى أصلاً من اكتظاظ وأزمة سكن حادة؟ وهل ستكون هذه الوحدات فى مواقع مناسبة وبمواصفات لائقة؟
وقال:»قضية العقارات الآيلة للسقوط كانت على رأس أولوياته التشريعية والرقابية، حيث حذر مرارا وتكرارا من وجود آلاف «القنابل الموقوتة» التى تهدد حياة الأسر المصرية، ليس فى الإسكندرية وحدها بل فى مختلف المحافظات.
وفى هذا السياق، جدد النائب محمود عصام طرحه للحل التشريعى الذى تقدم به بالفعل إلى مجلس النواب، والمتمثل فى مشروع قانون متكامل لتعديل قانون البناء الموحد. وأوضح أن جوهر المشروع يكمن فى إنشاء صندوق لدعم العقارات الآيلة للسقوط، ليكون الذراع التنفيذية والمالية للدولة فى مواجهة هذه الأزمة، حيث يوفر آلية مؤسسية دائمة للتعامل مع المشكلة بدلا من الاعتماد على ردود الأفعال الوقتية.
وأكد المهندس محمود عصام أن الحل الشامل يجب ألا يقتصر على العقارات الصادر لها قرارات إزالة فحسب، بل يجب أن يمتد ليشمل آلاف العقارات الأخرى التى تحتاج إلى تدخل عاجل للترميم